الذاكرة عند الأطفال وتأثيرها على شخصية الطفل
-الذاكرة والتذكر: يمكن تعريف هذان المفهومان على أنهما القدرة على ترميز المعلومات والاحتفاظ بها، ثم استعادة المعلومات المخزنة في الأوقات والمواقف التي تتطلب ذلك، كأن يتعلم الطفل استخدام ومعنى كلمة جديدة ثم يعيد استخدام هذه الكلمة ليوظفها بالمعنى الذي يريد إيصاله.
– النسيان: يعرف مفهوم النسيان بأنه حالة من الفقدان المؤقت أو الدائم بشكل جزئي أو كلي لبعض المعلومات والخبرات أو المواقف التي قد خزنها الطفل في ذاكرته، كأن ينسى الطفل معلوماته أثناء الامتحان، ويحدث النسيان
لأسباب عديدة نتحدث عنها في مكانها.
أهمية الذاكرة في بناء شخصية الطفل:
تلعب الذاكرة دوراً هام ومحوري في بناء وتكوين شخصية الطفل، فكل ما سيتعلمه الطفل من معلومات وكل ما سيمر به من مواقف وأحداث وتجارب، سوف يحتفظ به بهذه الذاكرة ويستعيده منها عند الحاجة، وبالتالي فإن قناعاته وأفكاره وميوله وصفاته التي تشكل شخصيته، ستكون مبنية على هذه الذاكرة، ويمكن تلخيص تأُثير الذاكرة في بناء شخصية الطفل بعدة نقاط منها:
– حفظ المواقف والأحداث: فبعض المواقف التي يمر بها الطفل تعد ذات أهمية كبيرة بالنسبة له، مثل تعرضه لخطر معين أو مروره بموقف مرعب، والطفل سوف يكَون خبرة معينة من مروره بهذا الموقف ويحفظها في ذاكرته، وسوف يستعيد هذه الخبرة أو الذكرى كلما مر بموقف مشابه ويستجيب نحوه بطريقة معينة.
– الذاكرة القوية وذكاء الطفل: بعض الأطفال يملكون ذاكرة توصف بأنها قوية، وهذه المسألة تعتبر ميزة تساهم في زيادة الخبرات التي يستطيع الطفل استعادتها، وسرعة التعلم والاحتفاظ بالمعلومات، وبالتالي رفع مستوى الذكاء كنتيجة لحفظ وتحصيل قدر أكبر من المعلومات والمعارف والخبرات.
– سرعة النسيان وشخصية الطفل: الأطفال ذو الذاكرة الأضعف يعتبرون أكثر قدرة على التخلص من الأفكار السلبية والتأقلم مع الأحداث الصعبة، كونهم ينسون أسرع ما رافق هذه الأحداث من صعوبات ومآسي كفقدان أحد الأحباء، ولكن من جهة أخرى سوف ينسون بشكل أسرع المعلومات والخبرات التي مروا بها وبالتالي يكونوا أقل قدرة على التعلم وكفاءة في التحصيل العلمي والدراسي.
أنواع الذاكرة:
يعد موضوع أنواع الذاكرة وأشكالها شديد التشعب والتعقيد ويحتاج لبحث منفرد لشرحه وتفصيله، كونه يحتوي على أنواع ومجالات وأقسام تتعلق بطبيعة موضوع الذكرى نفسها والآلية الفيزيولوجية لعمل الذاكرة، ونحن هنا نهتم بهذه الأنواع المتعلقة بالأطفال وذاكرتهم، من حيث طريقة عملها وكيف تؤثر على الأطفال واختلاف طبيعة هذا التأثير بحسب المرحلة العمرية للطفل، ومن هذه الأنواع مثلاُ:
– الذاكرة الحسية المباشر: هي تحتوي ذلك النوع من المعلومات التي يحصل عليها الطفل بطريقة مباشرة عن طريق حواسه، وتقتصر وظيفة هذه الذاكرة أو هذه المرحلة منها على التعرف على الموجودات وإذا كانت ضرورية قبل حفظها ونقلها إلى المرحلة التالية، وتعد هذه المرحلة هي الأكثر تأثيراً في الطفولة المبكرة، حيث تبقى فيها المعلومات لثواني معدودة فقط.
– الذاكرة قصيرة المدى: ويمكن القول عن هذا النوع من الذاكرة أنها التي تستخدم عادةً في العمليات العقلية المجردة مثل القراءة أو العمليات الحسابية، فأثناء قراءة سطر أو فقرة معينة فيجب أن تبقى بالذاكرة بداية هذه الفقرة حتى نهايتها حتى يتمكن المخ من استيعاب كافة أجزائها، وبالتالي يصنفها من حيث أهميتها ليقرر حفظها ونقلها إلى المرحلة التالية أو إهمالها والاستغناء عنها.
– الذاكرة طويلة المدى: وهي المرحلة الأكثر تعقيداً والتي تمثل المعنى الشائع والمعروف لمفهوم الذاكرة، حيث تعد المكان التي تحفظ فيه المعلومات لفترة طويلة سواء عن قصد مثل عمليات التعلم وحفظ المعلومات أو عن غير قصد كالمواقف والأحداث القوية المؤثرة، وفيها تحفظ المعلومات على شكل دلالات رمزية يمكن من خلالها استرجاع الذكرى عند الحاجة، وتعد هذه المرحلة هي المكان التي تخزن فيه الخبرات والمعلومات الهامة والمعارف والمواقف المؤثرة.
– الذاكرة التعريفية: هي ذاكرة الحقائق والمعلومات الصريحة والتي تتم عملية حفظها واسترجاعها بوعي كامل، وهذا النوع المستخدم في عمليات الدراسة والحفظ.
– الذاكرة الإجرائية: وهي الذاكرة غير الواعية، والتي يستعيدها الطفل بطريقة آلية تلقائية دون أن يفكر فيها، مثل قيادته للدراجة الهوائية أو قيامه ببعض الحركات الجسدية المعتادة، أو المهارات المكتسبة.
مشاكل وأمراض الذاكرة عند الأطفال:
لأسباب متنوعة منها وراثية وبعضها فيزيولوجي وآخر مكتسب، تتعرض الذاكرة للعديد من المشاكل والاضطرابات بل وحتى لأمراض، وتختلف هذه الاضطرابات من حيث موقع تأثيرها ودرجته في عملية التذكر سواء في حفظ وتخزين المعلومات أو استرجاعها واستعادتها، وهذا الاضطراب عبارة عن خلل وظيفي يحدث في إحدى هذه العمليات، ومن هذه الاضطرابات والمشاكل:
– فقدان الذاكرة: وبالأخص الذاكرة طويلة الأمد وعادة ما يحدث هذا نتيجة لصدمة نفسية أو عصبية أو الإصابة بمرض عصبي أو عقلي معين أو التعرض لحادث أليم يتعرض فيه الرأس لصدمة قوية، حيث أن هذه الأٍسباب تؤدي لحدوث خلل وظيفي في إحدى عمليات الذاكرة سواء في حفظ المعلومات أو عملية استرجاعها والعديد من الحالات الأخرى التي تحدد نوع فقدان الذاكرة مثل فقدان المعلومات القديمة أو عدم القدرة على التعلم وحفظ معلومات جديدة.
– إكمال المعلومات أو سد الفراغات: وهذه المسألة في الحقيقة ليست مشكلة وإنما هي من عمليات الذاكرة، حيث أن الإنسان لا يستطيع إرجاع الذكرى وأحياءها بصورة دقيقة و ولهذا يلجأ الدماغ إلى إكمال هذه الفراغات وإضافة بعض المعلومات لكي يشكل صورة كاملة للذكرى ، ليس بالضرورة أن تكون مطابقة من حيث صحتها
للذكرى الأصلية، مما يؤدي لحدوث تشوه معين في الذكريات.
ذاكرة الأطفال ومشكلة التركيز: في بعض الاختبارات التي يوضع فيها مجموعة من الأطفال من نفس الفئة العمرية والخلفية الثقافية في ظروف بيئية مشابهة، وعرض نفس الحجم والنوع من المعلومات عليهم، ثم إعادة سؤالهم عن هذه المعلومات، نجد أن إجاباتهم غير موحدة ومختلفة، ويعود السبب في هذا الأمر إلى حالة التركيز التي كان عليها كل طفل على حدة أثناء عرض المعلومات عليهم، وهذا ما يوضح الفروقات الفردية بين التحصيل الدراسي للأطفال، وهذا يحصل لأسباب متنوعة كحالة الطفل النفسية ووضعه الصحي أو البيئة المنزلية التي يعيش فيها.
– طريقة وتوقيت الحصول على المعلومات: وهذه المسألة تتوضح كأحد مشاكل التعليم، فالأطفال شديدو الحساسية وسريعو الملل، وعرض المعلومات عليهم بكمية كبيرة بطريقة التلقين، سوف يؤدي لعدم اهتمامهم بهذه المعلومات وبالتالي فهمها والتركيز فيها، وهذه المعلومات تعتبر أكثر عرضة للفقدان كون بال الطفل كان مشغول بأشياء أخرى عند تلقينها له، ويحدث هذا عند شعور الطفل بالجوع أو الحاجة للدخول إلى الحمام أو الذهاب
للعب مع أصدقائه، بينما نجبره على البقاء والدراسة.
الذاكرة والعملية التربوية:
كيف يمكن استخدام ذاكرة الطفل في العملية التعليمية والتربوية؟
تتميز ذاكرة الأطفال بأنها عميقة، ويمكن للطفل أن يحتفظ بالخبرات والذكريات بطرقة أسرع واثبت في ذهنه وذلك بحكم أن الذاكرة في مرحلة الطفولة لم تكن قد ازدحمت بعد بالكثير من المعلومات والمعارف والأفكار، وهذا ما دفع العديد من علماء التربية إلى الاعتقاد بأن التعليم في مرحلة مبكرة من عمر الطفل يعتبر أفضل وأكثر تأثيراً وجدوى وخاصة بالاستفادة من الذاكرة قصيرة المدى، وبالتالي تبدو أهمية البحث عن الطرق التي يمكن من خلالها استغلال ذاكرة الطفل بالعملية التعليمية التربوية، ومن هذه الطرق:
– تعليم بعض المهارات بسن مبكرة: ولكن مع الأخذ بالاعتبار قدراته الجسدية التي لم تنمو بما فيه الكفاية بعد، ولكن يجب العمل على تطويرها حال ظهورها وبالسن المناسبة لها، مثل تعليم استخدام الأدوات والكلام، وفي مرحلة لاحقة تعليم القراءة والكتابة أو لغة أخرى من خلال استخدامها معه باستمرار وتحفيزه على ممارستها.
– تمكين مواهب الأطفال منذ بداية ظهورها: فالطفل في سنه المبكرة يتمتع بمرونة عقلية ونفسية وجسدية كبيرة تتقلص كلما تقدم بالعمر، ولذلك وعند ظهور بدايات مهارة أو موهبة لديه فيجب العمل فوراً على تنميتها وتشجيعه على الاستمرار بها، فما سوف يكونه من خبرات عن هذه الموهبة ويحتفظ بها بهذا العمر، غالباً ما سوف يبقى معه بقية حياته ولا ينساه.
– غرس القيم والمبادئ الاجتماعية والأخلاقية: مثل الاعتماد قدر المستطاع على النفس واحترام الكبار وعدم التلفظ بكلام بذيء وآداب الطعام، فإن تعلم الطفل هذه الأشياء في عمره الصغير سوف تصبح جزء من شخصيته وأسلوبه في الحياة، بل سوف تصبح من صفاته الخاصة التي سيدافع عنها وينصح الآخرين بها.
– تعليم الطفل بعض العادات والسلوكيات الجيدة: من خلال مبدأ المكافأة أو العقوبة البسيطة وتمثيل النماذج يمكن تحفيز الطفل على القيام بالاستجابات الجيدة المرغوبة، كرمي الأوساخ في المكان المخصص والحفاظ على النظافة والترتيب، والعناية بالأشياء والأغراض، والاهتمام بالقراءة والتعلم.
– تنشيط وتمكين ذاكرة الأطفال باستمرار: عن طريق تعويد الطفل على ممارسة بعض النشاطات مثل القراءة والرسم بالإضافة إلى بعض الألعاب التي يحاول فيها الطفل فك الرموز والألغاز أو القيام بعمليات حسابية بسيطة، حيث تعد مثل هذه النشاطات الذهنية ضرورية لتنشيط عقل الطفل وذاكرته.
– ربط المعلومات المراد من الطفل حفظها بأشياء محببة بالنسبة له: مثل الربط بين ضرورة نجاحه في الامتحان وحفظ بعض المعلومات بالوصول لغاية معينة لديه كالتشبه بقدوة أو شخصية تلفزيونية معينة، هذا بالإضافة لعرض المعلومات عليه بطريقة فكاهية لا تخلو من الإثارة واللعب.
إذاً ذاكرة أطفالنا ليست مجرد مستودع أو خزان جامد للمعلومات والأفكار، وإنما هي تقنية بشرية للتعلم والتطور والارتقاء، والذكريات التي يجمعها طفلك ويدركها سوف تصبح جزءً من شخصيته وطريقته في فهم الحياة ومعانيها، ولذا حاولنا في هذه الدراسة إلقاء الضوء على مفهوم الذاكرة بشكل عام، وكيف يمكن أن تؤثر على حياة وشخصيات أطفالنا، وما هي المشاكل التي تعيق عملها وتعترضها، وكيف لنا أن نستغلها في غرس القيم الأفضل والمعلومات الأنفع في عقول أطفالنا.
بقلم: سامي بلال
الذاكرة هي بوابة المعرفة والتعلم والنمو المعرفي، هي الجعبة التي تحفظ خبرات الإنسان ومعارفه ومواقفه منذ الولادة وحتى نهاية العمر، وذكريات الأطفال تعتبر المنطلق الأساسي لتكوين شخصياتهم وتطوُّرها، سواء ذكرياتهم الشخصية عن الأحداث والمواقف أو ذاكرتهم المعرفية المتعلقة بالتعلُّم والتربية، ومن هنا تبدو ضرورة فهم الطريقة التي تعمل بها الذاكرة وبماذا تتأثر وكيف تؤثر في حياتنا، والأهم من ذلك كيف يمكن لنا استثمارها في تربية أطفالنا وتعليمهم.
-الذاكرة والتذكر: يمكن تعريف هذان المفهومان على أنهما القدرة على ترميز المعلومات والاحتفاظ بها، ثم استعادة المعلومات المخزنة في الأوقات والمواقف التي تتطلب ذلك، كأن يتعلم الطفل استخدام ومعنى كلمة جديدة ثم يعيد استخدام هذه الكلمة ليوظفها بالمعنى الذي يريد إيصاله.
– النسيان: يعرف مفهوم النسيان بأنه حالة من الفقدان المؤقت أو الدائم بشكل جزئي أو كلي لبعض المعلومات والخبرات أو المواقف التي قد خزنها الطفل في ذاكرته، كأن ينسى الطفل معلوماته أثناء الامتحان، ويحدث النسيان
لأسباب عديدة نتحدث عنها في مكانها.
أهمية الذاكرة في بناء شخصية الطفل:
تلعب الذاكرة دوراً هام ومحوري في بناء وتكوين شخصية الطفل، فكل ما سيتعلمه الطفل من معلومات وكل ما سيمر به من مواقف وأحداث وتجارب، سوف يحتفظ به بهذه الذاكرة ويستعيده منها عند الحاجة، وبالتالي فإن قناعاته وأفكاره وميوله وصفاته التي تشكل شخصيته، ستكون مبنية على هذه الذاكرة، ويمكن تلخيص تأُثير الذاكرة في بناء شخصية الطفل بعدة نقاط منها:
– حفظ المواقف والأحداث: فبعض المواقف التي يمر بها الطفل تعد ذات أهمية كبيرة بالنسبة له، مثل تعرضه لخطر معين أو مروره بموقف مرعب، والطفل سوف يكَون خبرة معينة من مروره بهذا الموقف ويحفظها في ذاكرته، وسوف يستعيد هذه الخبرة أو الذكرى كلما مر بموقف مشابه ويستجيب نحوه بطريقة معينة.
– الذاكرة القوية وذكاء الطفل: بعض الأطفال يملكون ذاكرة توصف بأنها قوية، وهذه المسألة تعتبر ميزة تساهم في زيادة الخبرات التي يستطيع الطفل استعادتها، وسرعة التعلم والاحتفاظ بالمعلومات، وبالتالي رفع مستوى الذكاء كنتيجة لحفظ وتحصيل قدر أكبر من المعلومات والمعارف والخبرات.
– سرعة النسيان وشخصية الطفل: الأطفال ذو الذاكرة الأضعف يعتبرون أكثر قدرة على التخلص من الأفكار السلبية والتأقلم مع الأحداث الصعبة، كونهم ينسون أسرع ما رافق هذه الأحداث من صعوبات ومآسي كفقدان أحد الأحباء، ولكن من جهة أخرى سوف ينسون بشكل أسرع المعلومات والخبرات التي مروا بها وبالتالي يكونوا أقل قدرة على التعلم وكفاءة في التحصيل العلمي والدراسي.
أنواع الذاكرة:
يعد موضوع أنواع الذاكرة وأشكالها شديد التشعب والتعقيد ويحتاج لبحث منفرد لشرحه وتفصيله، كونه يحتوي على أنواع ومجالات وأقسام تتعلق بطبيعة موضوع الذكرى نفسها والآلية الفيزيولوجية لعمل الذاكرة، ونحن هنا نهتم بهذه الأنواع المتعلقة بالأطفال وذاكرتهم، من حيث طريقة عملها وكيف تؤثر على الأطفال واختلاف طبيعة هذا التأثير بحسب المرحلة العمرية للطفل، ومن هذه الأنواع مثلاُ:
– الذاكرة الحسية المباشر: هي تحتوي ذلك النوع من المعلومات التي يحصل عليها الطفل بطريقة مباشرة عن طريق حواسه، وتقتصر وظيفة هذه الذاكرة أو هذه المرحلة منها على التعرف على الموجودات وإذا كانت ضرورية قبل حفظها ونقلها إلى المرحلة التالية، وتعد هذه المرحلة هي الأكثر تأثيراً في الطفولة المبكرة، حيث تبقى فيها المعلومات لثواني معدودة فقط.
– الذاكرة قصيرة المدى: ويمكن القول عن هذا النوع من الذاكرة أنها التي تستخدم عادةً في العمليات العقلية المجردة مثل القراءة أو العمليات الحسابية، فأثناء قراءة سطر أو فقرة معينة فيجب أن تبقى بالذاكرة بداية هذه الفقرة حتى نهايتها حتى يتمكن المخ من استيعاب كافة أجزائها، وبالتالي يصنفها من حيث أهميتها ليقرر حفظها ونقلها إلى المرحلة التالية أو إهمالها والاستغناء عنها.
– الذاكرة طويلة المدى: وهي المرحلة الأكثر تعقيداً والتي تمثل المعنى الشائع والمعروف لمفهوم الذاكرة، حيث تعد المكان التي تحفظ فيه المعلومات لفترة طويلة سواء عن قصد مثل عمليات التعلم وحفظ المعلومات أو عن غير قصد كالمواقف والأحداث القوية المؤثرة، وفيها تحفظ المعلومات على شكل دلالات رمزية يمكن من خلالها استرجاع الذكرى عند الحاجة، وتعد هذه المرحلة هي المكان التي تخزن فيه الخبرات والمعلومات الهامة والمعارف والمواقف المؤثرة.
– الذاكرة التعريفية: هي ذاكرة الحقائق والمعلومات الصريحة والتي تتم عملية حفظها واسترجاعها بوعي كامل، وهذا النوع المستخدم في عمليات الدراسة والحفظ.
– الذاكرة الإجرائية: وهي الذاكرة غير الواعية، والتي يستعيدها الطفل بطريقة آلية تلقائية دون أن يفكر فيها، مثل قيادته للدراجة الهوائية أو قيامه ببعض الحركات الجسدية المعتادة، أو المهارات المكتسبة.
مشاكل وأمراض الذاكرة عند الأطفال:
لأسباب متنوعة منها وراثية وبعضها فيزيولوجي وآخر مكتسب، تتعرض الذاكرة للعديد من المشاكل والاضطرابات بل وحتى لأمراض، وتختلف هذه الاضطرابات من حيث موقع تأثيرها ودرجته في عملية التذكر سواء في حفظ وتخزين المعلومات أو استرجاعها واستعادتها، وهذا الاضطراب عبارة عن خلل وظيفي يحدث في إحدى هذه العمليات، ومن هذه الاضطرابات والمشاكل:
– فقدان الذاكرة: وبالأخص الذاكرة طويلة الأمد وعادة ما يحدث هذا نتيجة لصدمة نفسية أو عصبية أو الإصابة بمرض عصبي أو عقلي معين أو التعرض لحادث أليم يتعرض فيه الرأس لصدمة قوية، حيث أن هذه الأٍسباب تؤدي لحدوث خلل وظيفي في إحدى عمليات الذاكرة سواء في حفظ المعلومات أو عملية استرجاعها والعديد من الحالات الأخرى التي تحدد نوع فقدان الذاكرة مثل فقدان المعلومات القديمة أو عدم القدرة على التعلم وحفظ معلومات جديدة.
– إكمال المعلومات أو سد الفراغات: وهذه المسألة في الحقيقة ليست مشكلة وإنما هي من عمليات الذاكرة، حيث أن الإنسان لا يستطيع إرجاع الذكرى وأحياءها بصورة دقيقة و ولهذا يلجأ الدماغ إلى إكمال هذه الفراغات وإضافة بعض المعلومات لكي يشكل صورة كاملة للذكرى ، ليس بالضرورة أن تكون مطابقة من حيث صحتها
للذكرى الأصلية، مما يؤدي لحدوث تشوه معين في الذكريات.
ذاكرة الأطفال ومشكلة التركيز: في بعض الاختبارات التي يوضع فيها مجموعة من الأطفال من نفس الفئة العمرية والخلفية الثقافية في ظروف بيئية مشابهة، وعرض نفس الحجم والنوع من المعلومات عليهم، ثم إعادة سؤالهم عن هذه المعلومات، نجد أن إجاباتهم غير موحدة ومختلفة، ويعود السبب في هذا الأمر إلى حالة التركيز التي كان عليها كل طفل على حدة أثناء عرض المعلومات عليهم، وهذا ما يوضح الفروقات الفردية بين التحصيل الدراسي للأطفال، وهذا يحصل لأسباب متنوعة كحالة الطفل النفسية ووضعه الصحي أو البيئة المنزلية التي يعيش فيها.
– طريقة وتوقيت الحصول على المعلومات: وهذه المسألة تتوضح كأحد مشاكل التعليم، فالأطفال شديدو الحساسية وسريعو الملل، وعرض المعلومات عليهم بكمية كبيرة بطريقة التلقين، سوف يؤدي لعدم اهتمامهم بهذه المعلومات وبالتالي فهمها والتركيز فيها، وهذه المعلومات تعتبر أكثر عرضة للفقدان كون بال الطفل كان مشغول بأشياء أخرى عند تلقينها له، ويحدث هذا عند شعور الطفل بالجوع أو الحاجة للدخول إلى الحمام أو الذهاب
للعب مع أصدقائه، بينما نجبره على البقاء والدراسة.
الذاكرة والعملية التربوية:
كيف يمكن استخدام ذاكرة الطفل في العملية التعليمية والتربوية؟
تتميز ذاكرة الأطفال بأنها عميقة، ويمكن للطفل أن يحتفظ بالخبرات والذكريات بطرقة أسرع واثبت في ذهنه وذلك بحكم أن الذاكرة في مرحلة الطفولة لم تكن قد ازدحمت بعد بالكثير من المعلومات والمعارف والأفكار، وهذا ما دفع العديد من علماء التربية إلى الاعتقاد بأن التعليم في مرحلة مبكرة من عمر الطفل يعتبر أفضل وأكثر تأثيراً وجدوى وخاصة بالاستفادة من الذاكرة قصيرة المدى، وبالتالي تبدو أهمية البحث عن الطرق التي يمكن من خلالها استغلال ذاكرة الطفل بالعملية التعليمية التربوية، ومن هذه الطرق:
– تعليم بعض المهارات بسن مبكرة: ولكن مع الأخذ بالاعتبار قدراته الجسدية التي لم تنمو بما فيه الكفاية بعد، ولكن يجب العمل على تطويرها حال ظهورها وبالسن المناسبة لها، مثل تعليم استخدام الأدوات والكلام، وفي مرحلة لاحقة تعليم القراءة والكتابة أو لغة أخرى من خلال استخدامها معه باستمرار وتحفيزه على ممارستها.
– تمكين مواهب الأطفال منذ بداية ظهورها: فالطفل في سنه المبكرة يتمتع بمرونة عقلية ونفسية وجسدية كبيرة تتقلص كلما تقدم بالعمر، ولذلك وعند ظهور بدايات مهارة أو موهبة لديه فيجب العمل فوراً على تنميتها وتشجيعه على الاستمرار بها، فما سوف يكونه من خبرات عن هذه الموهبة ويحتفظ بها بهذا العمر، غالباً ما سوف يبقى معه بقية حياته ولا ينساه.
– غرس القيم والمبادئ الاجتماعية والأخلاقية: مثل الاعتماد قدر المستطاع على النفس واحترام الكبار وعدم التلفظ بكلام بذيء وآداب الطعام، فإن تعلم الطفل هذه الأشياء في عمره الصغير سوف تصبح جزء من شخصيته وأسلوبه في الحياة، بل سوف تصبح من صفاته الخاصة التي سيدافع عنها وينصح الآخرين بها.
– تعليم الطفل بعض العادات والسلوكيات الجيدة: من خلال مبدأ المكافأة أو العقوبة البسيطة وتمثيل النماذج يمكن تحفيز الطفل على القيام بالاستجابات الجيدة المرغوبة، كرمي الأوساخ في المكان المخصص والحفاظ على النظافة والترتيب، والعناية بالأشياء والأغراض، والاهتمام بالقراءة والتعلم.
– تنشيط وتمكين ذاكرة الأطفال باستمرار: عن طريق تعويد الطفل على ممارسة بعض النشاطات مثل القراءة والرسم بالإضافة إلى بعض الألعاب التي يحاول فيها الطفل فك الرموز والألغاز أو القيام بعمليات حسابية بسيطة، حيث تعد مثل هذه النشاطات الذهنية ضرورية لتنشيط عقل الطفل وذاكرته.
– ربط المعلومات المراد من الطفل حفظها بأشياء محببة بالنسبة له: مثل الربط بين ضرورة نجاحه في الامتحان وحفظ بعض المعلومات بالوصول لغاية معينة لديه كالتشبه بقدوة أو شخصية تلفزيونية معينة، هذا بالإضافة لعرض المعلومات عليه بطريقة فكاهية لا تخلو من الإثارة واللعب.
إذاً ذاكرة أطفالنا ليست مجرد مستودع أو خزان جامد للمعلومات والأفكار، وإنما هي تقنية بشرية للتعلم والتطور والارتقاء، والذكريات التي يجمعها طفلك ويدركها سوف تصبح جزءً من شخصيته وطريقته في فهم الحياة ومعانيها، ولذا حاولنا في هذه الدراسة إلقاء الضوء على مفهوم الذاكرة بشكل عام، وكيف يمكن أن تؤثر على حياة وشخصيات أطفالنا، وما هي المشاكل التي تعيق عملها وتعترضها، وكيف لنا أن نستغلها في غرس القيم الأفضل والمعلومات الأنفع في عقول أطفالنا.
بقلم: سامي بلال
No Comments